جاء الصعود السريع لحضور ودور أبو الفتوح في سباق الرئاسة المصرية ليعيد إلى الأذهان تجربة الصعود السياسي لأردوجان في تركيا في نهاية التسعينات وبداية القرن الحادي والعشرين. ولعل العودة إلى السنوات الخمس البارزة في تاريخ النظام السياسي التركي، خصوصا بين عامي 1997- 2002، تعين على فهم وتفسير عمليات وسياسات وسياقات صعود القيادات والحركات السياسية من خلال المقارنة بين أبو الفتوح وأردوجان وكشف جوانب التشابه والاختلاف بين النمطين والسياقين. ويلاحظ بداية أن تجربة خروج أبو الفتوح من عباءة الإخوان تشبه من أوجه عدة خروج أردوجان من حزب الرفاه وتحديه لقيادة الحركة الإسلامية التي كان يمثلها نجم الدين أربكان خصوصا بعد الصدام بين أربكان والمؤسسة العسكرية في عام 1997 الذي أدى إلى عزل أربكان من رئاسة الحكومة وتفكيك حزبه بحكم من المحكمة الدستورية العليا. في هذه الفترة ظهرت القدرات التنظيمية والادارية لأردوجان من حيث قدرته على استقطاب وتنظيم معظم كوادر ونشطاء حزب الرفاه وضمهم إلى حزبه الجديد العدالة والتنمية. كما يمكن الإشارة أيضاً إلى وجه آخر من أوجه التشابه يتمثل في الدور الذي لعبه أبوالفتوح في المجال السياسي منذ سبعينات القرن الماضي عندما كان رئيساً لاتحاد طلاب مصر، وانضمامه للإخوان وصولا إلى عضوية مكتب إرشاد الإخوان لحوالي عقدين من الزمان ونشاطه في إتحاد الأطباء العرب، وذلك بالمقارنة بالدور السياسي لأردوجان في حزب الرفاه خصوصاً دوره في رئاسة بلدية إسطنبول في التسعينيات.
ولكن هناك على الجانب الآخر نقاط اختلاف وتمايز مفصلية، ففي حين نجح أردوجان في استقطاب وسحب الكوادر والعضوية النشطة والقيادية من حزب الفضيلة (وريث الرفاه) الذي كان يتزعمه رجائي قوطان، الشخصية المحافظة بعد عزل أربكان سياسياً، فإن أبو الفتوح لم ينجح في استقطاب قطاعات واسعة من تنظيم الإخوان لمشروعه السياسي. وعلى الرغم من نجاحه في استقطاب كل من محمد حبيب وإبراهيم الزعفراني (اللذين خرجا من الإخوان في ظروف مختلفة ومراحل سابقة) وكذلك شباب حزب التيار الذين برز دورهم أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا أن أبرز أصدقائه ونظرائه من نفس الجيل، ممن شاركوه تأسيس العمل الإسلامي في الجامعات المصرية والنقابات يقفون في مواجهته على الطرف الآخر وبالأخص عصام العريان، وحلمي الجزار كما أن معظم القطاعات الشبابية ما تزال مؤيدة لقيادة الإخوان. ويعضد من ذلك أن الإخوان كتنظيم ما يزال في مرحلة صعود سياسي على الأرض كما تشير لذلك نتائج الانتخابات البرلمانية والطلابية والنقابية مقارنة بحزب الفضيلة الذي كان في حالة تراجع وتكلس بعد عزل قائده السياسي واختيار قيادة محافظة كبيرة في العمر في مراحل الشيخوخة.
وربما كانت أبرز نقاط التشابه بين أبو الفتوح وأردوجان تتمثل في قدرته على جذب والتقاط حساسية اللحظة التاريخية التي ساعدته في تكوين ائتلاف سياسي واسع لا يقوم على أيديولوجية إسلامية ساطعة وذلك بمشاركة نساء ومجموعات علمانية كثيرة في حزب العدالة والتنمية. ويراهن أنصار أبو الفتوح على أن ما يملكه من أرضية إسلامية وانفتاح على القوى الليبرالية واليسارية سيجعله رجل اللحظة الذي يمكنه تنفيذ رؤية إصلاحية أو ثورية على المدى الطويل. وإلى جانب ذلك، يتميز أبوالفتوح بأنه انفصل مبكراً عن الإخوان في أعقاب ثورة 25 يناير، ولم يتورط في الصراعات السياسية التي وقع فيها الإخوان مع كثير من القوى الشبابية والنخبة حول الدستور والانتخابات والاعتصامات، حيث لا يتوقع لمرشح الإخوان، محمد مرسي، أن يلقى تأييداً من هذه المجموعات. وقد حظي أبو الفتوح حتى الآن بدعم وتأييد مجموعات الطبقة الوسطى الشبابية التي دعت للثورة مثل وائل غنيم، ومصطفى النجار، وحزب التيار فيما عدا القوى اليسارية، و6 أبريل التي ما تزال مترددة في حسم موقفها. ويبدو أن أبوالفتوح نجح جزئياً في وراثة قسم كبير من الأصوات والمجموعات المؤيدة للبرادعي في حين تميل مجموعات أخرى، خصوصاً اليسارية والناصرية، للانحياز لحمدين صباحي، والحريري، وخالد علي، كما ظهرت بوادر توجس وقلق بين القوى الليبرالية والمدنية التي كانت تؤيد البرادعي خصوصاً بعد إعلان الدعوة السلفية تأييدها لأبو الفتوح خصوصاً بعدما أثير حول تعهداته في موضوع تطبيق الشريعة وهي تعهدات، إن صحت، ستؤدي لتفكك في المعسكر الليبرالي واليساري المساند له. ويمكن تفسير عودة البرادعي للساحة السياسية من خلال تأسيس حزب الدستور على أنه محاولة لإعادة تنظيم وتأطير حملات تأييد البرادعي بدلاً من انسيابها بين المرشحين الآخرين. ولكن هناك نقطة اختلاف مهمة في هذا الصدد أيضاً، وهي أن أردوجان نجح في تأطير وتنظيم المجموعات المختلفة أيديولوجياً في حزب سياسي وهو العدالة والتنمية، في حين أن المجموعات التي تلتف حول أبو الفتوح شديدة الانقسام والتشظي والتصارع فيما بينها ولا يمكن جمعها في حزب سياسي واحد.
ومن العناصر الملفتة في دور أبوالفتوح، بروزه في لحظة الصدام بين الإخوان والمجلس العسكري حول موضوع الدستور والحكومة مثلما برز دور أردوجان وعبدالله جول في قيادة حزب العدالة والتنمية كطريق وسطي بين أربكان والعسكر التركي مما طرح ليس إمكانية قبوله كرئيس توافقي داخلياً فحسب، بل وخارجياً أيضاً خصوصاً بعد استقباله في البيت الأبيض قبل الانتخابات الحاسمة في 2002. ويلاحظ أن أبوالفتوح قربه من الفئات الثورية، فإنه شخصياً لا يبدو في موقف عدائي مع المجلس العسكري، ولم يتورط في أي صراع حقيقي مع العسكري مثلما حصل أخيراً مع الإخوان وحازم أبواسماعيل. ومن وجهة نظر مؤيدي المجلس العسكري، فربما يكون الصعود التدريجي لأبو الفتوح على حساب شعبية الإخوان وجبهة البرادعي وأبو اسماعيل الذين يشكلون الخطر الأبرز على العسكري. فصعود أبو الفتوح من وجهة النظر هذه قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية بعيداً عن القوى المناوئة للعسكري.
إن المجلس العسكري يسعى للتخلص من نفوذ جماعة الإخوان في الحياة السياسية، خصوصاً بعد تورطها في صراعات كثيرة مع المجموعات الثورية الشبابية والأحزاب والنخب الليبرالية كما ظهر في معركة الجمعية التأسيسية للدستور. فهو يراها خطراً حقيقياً على نفوذه بسبب قدرتها التنظيمية التي تسعى وفق مخطط معين لإزاحة نفوذ العسكري تدريجياً والسيطرة على الدولة. ويحاول المجلس العسكري والدولة العميقة مؤيداً بقلق النخبة الحزبية والإعلامية إيقاف تقدمهم ورفض تمكينهم من أي من مؤسسات الدولة. لقد جاء كلام الدكتور ياسر برهامي، الأب الروحي لحزب النور السلفي، كاشفاً عن عمق القلق من صعود الإخوان حتى لدى الجماعات السلفية (وهو متغير مهم يختلف تماماً عن حالة أردوجان حيث لا يوجد حضور قوي للدعوة السلفية في تركيا) حيث أكد أن العوا هو أفضل شخصية للرئاسة، ومرسي ممثل لأفضل برنامج سياسي للنهضة، ولكن اختيار أبو الفتوح جاء حتى لا ينفرد الإخوان بمقاليد الحكم والسيطرة على الدولة. إن هناك ما يشبه نوعاً من التفاهم الضمني بين المجلس العسكري وحزب النور والنخبة الحزبية والإعلامية لإيقاف أية إمكانيات لتغلغل مشروع الإخوان السياسي في الدولة المصرية. وإلى جانب ذلك، فإن هناك بعض الجهات داخل الدولة تقبل أن يفوز بالرئاسة شخصية غير عسكرية مثل عمرو موسى، أو توافقية مثل منصور حسن سابقاً، أو حتى محبوبة مثل أبوالفتوح ولكن بلا قوة تنظيمية تؤيده لأن ذلك سيوفر غطاءً شرعياً لاستمرار نموذج الهيمنة العسكرية على صنع القرار السياسي.
لقد استفز صعود أبوالفتوح السريع المسؤول الإخواني في محافظة البحيرة الذي قال إن أبو الفتوح هو مشروع ناصري جديد سيمنع النساء من ارتداء الحجاب ويحظر الإخوان، وهو خطاب يمارس نوعاً من الدعاية السوداء الفجة التى تعيش في ظل هواجس تجربة 1954. فالواقع أن الدولة العميقة هي المتحكمة والمسيطرة على مقاليد الأمور سواء فاز بالرئاسة أبوالفتوح أو عمرو موسى أو الاخوان، والمجلس العسكري قائم ومتجسد على أرض الواقع، والإطار الدستوري والقانوني تتحكم فيه المحكمة الدستورية العليا. وسيظل بيد لجنة الانتخابات الرئاسية، بمعاونة أجهزة الدولة، إمكانية التدخل دوماً في اللحظة المناسبة لفرملة صعود أي مرشح وربما إزاحته من السباق إن هو تحرك خارج السقف الموضوع لحركته بما في ذلك أبوالفتوح، ومرسي. وسيبقى الرئيس القادم مجرد شخص بلا صلاحيات حقيقية، خصوصاً إذا تم تعديل الإعلان الدستوري ليقلص من صلاحياته ودوره في النظام السياسي باعتباره قادماً من خارج إطار الدولة العميقة التي لا يمكن أن تقبل سوى دور صوري له، ويتوقع أن يكون دوره مثل دور الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي في الجمهورية الإيرانية. فهذه الدولة العميقة التي تقوم على تحالف شبكات ومجموعات عسكرية وأمنية، وقضاة، ورجال أعمال لن تقبل برئيس تسانده قوة تنظيمية تقوم تدريجياً بعملية تفكيك لقواها وعناصرها، وهي دولة ذكية ومتواصلة مع الخارج وتعي دروس التاريخ جيداً بما فيها دروس النموذج التركي. إن الإطار الدستوري والقانوني الذي استبعد المرشحين الأقوياء من أمثال أبو اسماعيل وخيرت الشاطر وعمر سليمان، بما يملكه من معلومات وتواصلات إقليمية ودولية، لديه من الإمكانيات والأدوات ما يمكنه من ابتزاز أي مرشح رئاسي وتقييد حركته وشرعيته السياسية إن تمكن من الفوز خصوصاً إذا جاء فوزه في سياق تصادمي مع حركة الإخوان التي تسيطر على البرلمان الذي سيكون وجوده في حد ذاته محل شك كبير.